الجمعة، 9 يناير 2009

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
يس : على المعنى المعروف من اليأس أي يائْسِين .
وقد سكت أبو جعفر على (ياء) سكتة لطيفة من غير تنفس وأدغم النون الساكنة في واو القسم .ولا يخفى إظهار همزة الياء عند السكت , وقرأ الباقون بالتسهيل أي ياسين .
والحكمة في قراءتها بهذين والوجهين - والله أعلم – أنه لما كان يخاطب به أقواما أميين لا يعرفون القراءة - الا ما ندر- كان لا بد أن يلفت انتباههم إلى هذا الاستهلال الرائع والتركيب الجديد بما يدركون سره سماعيا حتى إذا ما وقع نظر قارئهم على صحيفة مكتوبة تأكد أنها قد كتبت حرفين متصلين مجردين للدلالة على أنه قد ركب لهم كلمة جديدة تركيبا مزجيا من اسمي حرفين هما ياء وسين , وهذا التركيب معنويا تاما .
ثم انظر كيف أنه – جل ثناؤه - بناها على السكون المشعر بالثبات , للدلالة على ثبات الحكم ( لا تبديل لكلماته ) بينه مفصلا بقوله :( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) حق عليهم ذلك القول بحرفين فقط ليس الا( كن فيكون) اشار اليه في آخر السورة
ثم استهل به وجعله آية مستقلة للعناية بهذا المعنى , فالسورة سوف تتناول صورا من القضايا المستحيلة أو الميئوس منها , يس (1) وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ (2) ثم أكده بالقسم ؛ وأي مقسم به هنا ؟! إنه القرآن أولى القضايا التي يأسوا منها , وكأنه القفل الذي ختم به على يأسهم , فهو سبب ذلك اليأس وقد يأسوا من معارضته أو الإتيان بسورة مثله ولو مفترية . ووصفه بالحكيم – وليس المحكم فحسب – فآياته محكمات وفي مجمله حكيم لأنه منبع الحكمة , والحكيم هو من تؤخذ منه الحكمة , وفي هذه السورة بالذات لأن السورة هي قلب القرآن , والحكمة موضعها القلب. وهذا أقرب من قول أنه فعيل بمعنى مفعول .
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) وهذه ثاني القضايا التي قد يئسوا منها وأنه على صراط مستقيم وأنه تنزيل العزيز الرحيم . ولما يأسوا من هذه القضايا أجمعوا على قتلة r وهذه حيلة العاجز اليائس. وعلى رأس ألئك اليائسين الذين اجتمعوا في دار الندوة ابليس . ولهذا خرج رسول الله r من بين أظهرهم وهو يتلوا هذه الآيات .

وبهذا خرج بالكلمة عن جمع المذكر السالم المنصوب والذي لا يحسن أن يكون مبتدأ ولا خبرا مقدما . مع بقاء المعنى إذ أنهم في الحقيقة مفعول بهم ذلك اليأس فبسبب عنادهم وكفرهم حق عليهم . ثم أطلق ذلك المركب الجديد اسما للسورة , وفيه إشارة إلى كونه اسما مركبا يجري عليه ما يجري على المركب .أنظر كيف يخترق قواعدهم ليأتيهم بما لا يمكن الاعتراض عليه ولا الإتيان بمثله بل بما يطربون لسماعه وينبهرون لبيانه . فسبحان الله إنه على كل شيء قدير . ولو تأملت هذا المعنى في مقاطع السورة لوجدته واضحا جليا فيصوغ لهم من أسم الحرف كلمة مفردة فيسوق على ذلك المعنى مقاطع السورة , وتارة يصوغ لهم كلمة من حرفين وتارة جملة من حرفين بأسماء الحروف لا بصوت الحرف المعروف وهذا ما لم يعهدوه من قبل وبهذا الإبداع فسبحان المبدع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق