الجمعة، 9 يناير 2009

المقدمة

ِِالحمد لله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى , وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث بالهدى وآله , وبعد
فأنا لا أزعم لنفسي- ما قاله الشاعر:
(وإني وإن كنت الأخير زمانه * *ِ * لآت بما لم تستطعه الأوائل ) كما قد يفهم من الخبر - ولكنني وأنا في رحلة تدبر لهذه المعجزة العظيمة الخالدة خطرت لي تساؤلات جعلتني أتوقف عند تلك الأحرف كلما قرأتها حتى أصْبَحَتْ تلازمني فإذا ما أويت الى فراشي ذات ليلة بدأت أقرأ في نفسي ( ق والقرآن المجيد ) قلـَّبْتُها , كرَّرْتها , فإذا بالصوت يعنى شيئاً وهو اقتفاء الأثر . ولكن لماذا كتبت ق ولم تكتب قاف ؟ ولماذا فصحاء العرب سكتوا عنها فلم يذكر أن أحدهم سأل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ما يعني ربك بـ (ق ) ؟. وذلك يعني أنهم وقفوا لها على معنى , بل وأدهشهم ! . وحتى الصحابة لم يذكر أن أحدهم سأل عنها . وهذا يعني أيضا أنهم قد فهموا معناها , ولم يُسأل عنها الا في عهد التابعين ؛ الى آخر ما هنالك من أسئلة جعلتني أبحث فيما عندي من كتب التفاسير . فلم أجد فيها من أشار الى معنى مفهوما مقنعا يرتبط بسياقها ويستند الى قواعد اللغة إلا أنهم يشيرون الى قول قتادة ومجاهد ( أنها مفاتيح السور ) فطرت بهذا القول فرحا .
والسور التي سوف نتدبرها هي أربع : ( طه , يس , ص, ق) وهذه السور الأربع دون غيرها من سور القرآن المفتتحة بالحروف المقطعة سميت كما نلاحظ بنفس الحرف المستهلة به .
وفي ذلك سر ذكره المفسرون وهو للدلالة على أن هذا أسم جديد يجري عليه ما يجري على أمثاله من الأسماء.
كما أن هذه الحروف التي افتتحت بها السور الأربع تشترك في أن صوتها يؤدي معنى واحدا على أي من القراءات قرئ . وذلك المعنى نجده سمة ظاهرة في مقاطع السورة وآياتها , بل إنه أشبع ذلك المعنى بما لا يدع ثغرة لأحد أن يأتي بمثله أبدا , إلا أن يأتي به كما هو. مع ملاحظة أنه لم يطالبهم سوى بوظيفة اللسان من حيث الفصاحة والبيان فقط ولو كن مفتريات من حيث الحقيقة والتأويل وصدق الخبر.
ولو حلقنا في فضاء- بل كون- هذا الإعجاز لما بلغنا أطرافه ومنتهاه , ولنبدأ معا في تدبر ما يسره الله من مطالع السور الأربع ونبتدئ بتدبر سورة يس قلب القرآن سائلين المولى - صلى الله عليه وآله وسلم - أن ييسر لنا بها تدبر القرآن العظيم أنه سميع قريب مجيب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق