الجمعة، 13 نوفمبر 2009

سورة ق

الحمد لله رب العالمين . الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان .له الفضل والمنة والعرفان . وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث للثقلين للإنس والجان , وآله الطيبين في كل زمان ومكان .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْإِنْسَانِ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
وعنه – أيضا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ : أَبَيْتُ . قَالُوا :أَرْبَعُونَ شَهْرًا ؟ قَالَ : أَبَيْتُ . قَالُوا : أَرْبَعُونَ سَنَةً ؟ قَالَ : أَبَيْتُ . ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ . قَالَ : وَلَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
قوله : ومنه يركب الخلق يوم القيامة . حرف ( من ) إما أن يكون للتبعيض . وإما أن يكون لابتداء الغاية و الأُولى أَولى , لأن تعجب الكافرين الذي ورد في سورة قاف في قوله تعالى : (أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3) ) خال حتى من العظام . ولكم رأينا قبورا كشفتها الانهيارات والمشاريع على الطرقات وليس فيها سوى التراب . لكن بين ذلك التراب خلية لا تبلى هي البذرة التي سينبت منها الإنسان يوم القيامة . فهم يتعجبون من قبر ليس فيه إلا تراب ,لأنهم لا يرون تلك الخلية التي تدق حتى عن حبيبات التربة , فهذا التعجب يطوي خلفه تساؤلات . أين ذهب الجلد واللحم والعصب والعظم ؟ لقد تحلل في باطن الأرض وجرفت منه السيول والأمطار , وامتصت منه ما امتصت النباتات والأشجار , فأثمرت ثم أكلت – إلى مالا نهاية – فمن سيعيده ؟ وكيف ؟
فيتنزل جبريل - عليه السلام – على نبينا محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - بسورة قاف ليزيح هذا اللبس ويدحر هذه الحجة في سياق يتحداهم بمثله متضمنا أقوى البراهين المعقولة بالحواس المجردة . تلك الحواس هي ذاتها التي سيعتمدون عليها في الإتيان بمثل هذا النص المعجز الذي تحداهم به . فلم تسول لهم أنفسهم ذلك لِـمَا عرفوا من عجزهم عن الإتيان بمثله , فكان أقصى ما قالوا :( قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ )(31) الأنفال.
الكشف
إذا يتنزل جبريل – عليه السلام – على النبي - صلى الله عليه وآله سلم – في مكة فما يفصم عنه الوحي إلا وقد وعى فيتلوا على أصحابه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم . قاف والقرآن المجيد (1)
فإذا ما هوى كاتب الوحي بيراعه ليكتبها . أمره رسول الله – صلى الله عليه وآله - أن يكتبها ( ق ) ليتبينوا أن هذا المعنى الأصلي الذي يطلق عليه هذا الاسم . استعاره فأجراه على غير ما ألفوا من الاستعارة (1) , وأي استعارة ؟ إنها الاستعارة المعجزة فحسب . فهي تأبى إلا أن تكون فوق أي استعارة اسمية كانت أو فعلية , لفظية أو معنوية – وما أشبه هذه الآية بعصى موسى وهي تلقف ما يأفكون - فيقرؤها تارة : قافْ , وتارة قافَ , وقافِ وقافُ , و على أي قراءة قرأتَ بها وجدتَ أنها قد تسنمت ذروة الفصاحة والبيان.
لقد جعل الأصل فيها (ق~) بمدٍ عارض للسكون ليكون الأصل فيها ( قآفْ ) - على السكت - دون ضبط بالشكل , فتكون بهذا متضمنة ومتاحة للحركات الثلاث . وفي هذا - الرسم مع السكت - من التنبيه وقرع الأسماع ما يشد الانتباه , و يستدعي الإصغاء والإنصات .
فإن قرأت ( قافِ والقرآن المجيدِ ) كانت قسما بحرفه هذا الذي ليس كأي قاف , بل هو حرف قدسي استحق بهذا الرسم والتصريف في هذا الموضع أن يكون علما لهذه السورة فقط , مع ما تضمنته السورة من معناه . ثم أقسم بعده بمجمل كلامه كله وهو القرآن – من باب ذكر العام بعد الخاص – ومناسبة وصفه بالمجيد هنا لأنه اكتسب مجده من جهتين الأولى: نسبته إلى الله المجيد .كالعرش المجيد . والثانية : أنه اقتفى أثر العلوم كلها . قال تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)(2).على تفسير الكتاب بالقرآن
أو أن القسم
بفعله وقوله – تبارك وتعالى-
فيحتمل أن يكون قسما بفعله المستمر – جل شأنه - في اقتفاءه لأثر خلقه الذي لا يفوته منه شيء , كما حكا عن فرعون في قوله تعالى : (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) ثم ثنى مقسما بقوله الذي هو القرآن المجيد , والذي هو أيضا قد اقتفى أثر العلوم فتضمن حقائقها . وما يكشف الله – تبارك وتعالى - لنا من حقائق الإعجاز العلمي يوما بعد يوم لهو أكبر دليل على اقتفاء هذا القرآن لحقائق العلم من الذَّرَّةِ إلى المجرَّة وتضمُنِه للعلم الحق . والله - تعالى -أعلم .
ثم يبين – تبارك وتعالى – مناسبة هذا الاستهلال من فعلهم وقولهم (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)
لما عجزوا عن معارضته بنصٍ مثله , انصرفوا إلى تتبع قضاياه واقتفائها . فالأولى :التعجب من أن يأتيهم منذر منهم – وهذا لا يدعوا للتعجب – فلم يتطرق إليه هنا , والثانية : استبعاد الرجوع – الى بشر حي - بعد التحلل إلى تراب هامد .
فيأتي جواب القسم لتفصيل ذلك الاستهلال والرد على ذلك التعجب (قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5) أي في أمرٍ ملتبس .
نعم لقد سبق علمه - جل وعلا – لكل شيء تنقصه الأرض منهم . أين ما ذهب ففي تلك الخلية التي لا تبلى النسخة الأصلية من كل تفاصيل جسدك وحياتك قد حفظت في تلك الخلية وهي عنده أيضا في كتاب حفيظ لما أودع فيه .ومهما جالت هذه الخلية فلن تخرج من طبقات السماء فمكانها معلوم عنده – جل شأنه وتقدس في علاه - .
وإذا قرأتها ( قافَ والقرآن المجيدِ ) كانت فعلاً ماضيا مؤكدا بالقسم المناسب لمعناه . أي أنه قد اقتفى أثرنا وانتهى منه . وهذا ما تؤكده الدراسات الحديث عن المورثات البشرية .( الصبغيات )
فالخلية نوعان
خلية تناسلية : غير قابلة للانقسام بذاتها . لأنها لا تحوي سوى 23 كروموسوم . 23 في البويضة و23 في الحيوان المنوي , فعندما تتلقح البويضة بهذا الحيوان المنوي يبدأ الانقسام .
وخلية بشرية : قابلة للانقسام , لأنها تحوي 46 كروموسوم .
فما هي الكروموسومات
آخر ما سمعته وشاهدته في برنامج وثائقي عن هذا الشريط الجيني , هو أنهم رمزوا لكل مورثة بشرية برمز حتى طال عليهم ذلك الترميز , فاضطروا الى تقسيم الشريط الجيني الى ستين قسم توزع على ستين مختبر حول العالم – طبعا لم تكن مختبراتنا مؤهلة فيكون لها نصيب من ذلك الشريط لفك رموزه – ومن المتوقع انهاء الدراسة وجمع نتائج تلك المختبرات 2018م وهذا احتمال .
كل هذا لفك مورثات خلية واحدة . تخص فرد واحد تحمل تاريخه بكل تفاصيله . هذا خلاصة ما ذكر و باختصار , أرجو أن لا يكون اختصارا مخلا .
المهم أن تلك الخلية في عظمة العصعص ( عجب الذنب ) لا تخلو من أن تكون من ذوات الـ(23) كروموسوم والـ(23) الأخرى تنزل مع المطر بين النفختين فتقتفي أثرها حتى تتحدان فيبدأ الانقسام وينشأ الخلق .
أو أن تكون خلية تامة تحمل 46 كروموسوم فيكون دور المطر بين النفختين كدوره مع بذور النباتات , والله أعلم .

والمعنى الذي سنبحث عنه ونتتبعه هو اقتفاء الأثر وما ستتركه تلك الصور في نفوسنا من ذكرى وموعظة .
قال - تعالى - : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) فلا منافذ للهرب فأنت في قفص السموات والأرض وفي هذا القفص سوف تكون المطاردة , فكما وُكِّلَ بك قرين لإغوائك فقد وَكَّلَ بك الله – جل ثناءه- حفظة لك وعليك .
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) كل هذه آيات تراه بعينيك ( تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وتتأملها بقلبك فتنيب إلى ربك .
أنظر كيف يقتفي أثر الموات فيحييها (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا .
هذا الذي قفا أثر البذرة بالماء فتشققت وبسقت وأثمرت ثم ساقها لك رزقا , أليس بقادر على أن يخرجك فينبتك من تلك الخلية في عظمة العصعص ثم يسوقك كما ساق إليك تلك البذرة رزقا . ثم أشار مشبها بعثك بتلك النباتات (كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)
والى الملتقى بين يدي قاف استودعك الله .
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك .
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.


 


------------------------------------------------------------------------------------------

(1) الاستعارة : نقل اللفظ عن مسماه الأصلي إلى شيء آخر ثابت معلوم فتجريه عليه وتجعله متناولا له كتناول الصفة للموصوف .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق