بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ), له الحمد وله الثناء الحسن , نستعينه , ونستهديه , ونستغفره , ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له .وصلى الله وسلم وبراك على المبعوث بالهدى رحمة للعالمين ,وآله الطيبين الطاهرين .
( سورة طه )
مكية وعدد آياتها 135 .
ولا جديد لدي هنا سوى التأكيد على المعنى المأثور الذي ذكره بعض المفسرين . وهو( طأ الأرض بقدميك يا محمد ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) مستندا في ذلك على :
1.سرد بعض تلك الروايات التي تؤكد المعنى .
2. تحليل الآية ( طه "1") لغويا بما يتوافق مع مدلولها الصوتي على اختلاف قراءاتها.
3.ذكر الأساليب والفنون اللغوية التي تضمنتها الآية .
الروايات التي تؤكد المعنى .
1-أخرج ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما أنزل عليه الوحي ، كان يقوم على صدور قدميه إذا صلى ، فأنزل الله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .2-وأخرج ابن مردويه وابن جرير ، عن ابن عباس قال : قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه ، فأنزل الله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
3-وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل؛ كي لا ينام فأنزل الله عليه { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
4-وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربط نفسه ، ويضع إحدى رجليه على الأخرى ، فنزلت : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
5-وأخرج ابن مردويه ، عن علي رضي الله عنه قال : لما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً } [ المزمل : 1 ] قام الليل كله حتى تورمت قدماه ، فجعل يرفع رجلاً ، ويضع رجلاً ، فهبط عليه جبريل ، فقال : { طه } يعني : الأرض بقدميك يا محمد { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } وأنزل { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } .
6-وأخرج البزار بسند حسن ، عن علي قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يراوح بين قدميه ، يقوم على كل رجل ، حتى نزلت { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
7-وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { طه } قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما قرأ القرآن إذا صلى ، قام على رجل واحدة ، فأنزل الله { طه } برجليك { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .
8-وأخرج ابن أبي حاتم (المتوفى 327 هـ )، عن الضحاك قال : لما أنزل الله القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - قام به وأصحابه ، فقال له كفار قريش : ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى به . فأنزل الله { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .كلها من الدر المنثور في التأويل بالمأثور لمؤلفه : عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى : 911هـ)
9-وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن الربيع بن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله { طه } يعني طأ الأرض يا محمد ، { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } ورد في معالم التنزيل للبغوي [ المتوفى 516 هـ ] والقرطبي (600 - 671هـ ) و تفسير القرآن العظيم [ ابن كثير 700 -774 هـ ] و الثعالبي( 786 - 876هـ) والدر المنثور للسيوطي ( 849 - 911 هـ)والشوكاني( 1173هـ ـ 1250هـ) وفي مختصر الشمائل المحمدية للشنقيطي 1325 - 1393هـ
القراءات
قرأ أبو عمرو بفتح الطاء وكسر الهاء ، وكسرهما [ بالإمالة في بعض التفاسير ] جميعاً حمزة والكسائي وأبو بكر والباقون بفتحهما . قال الزجاج : وتقرأ « طَهْ » بفتح الطاء وسكون الهاء ، وكلها لغات . قال الزجاج : من فتح الطاء والهاء ، فأن ما قبل الألف مفتوح . ومن كسر الطاء والهاء أمال إلى الكسر ، لأن الحرف مقصور ، والمقصور يغلب عليه الإمالة إلى الكسر .
طه (1) جملة إنشائية , مركبة من اسمي الحرفين الطاءِ و الهاءِ , تضمنت : فعلاً , وفاعلاً , ومفعولاً . بمعنى: طَأهَا - بهمزٍ ساكنٍ- , أو طاها - بتسهيل الهمزة - وهما لغتان , فالفعل طا والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ,أي : محمد - صلى الله عليه وآله وسلم – والْهاءُ ضمير المفعول به عائد على الأرض . والمألوف في كتابتها طاها على فتحهما , وهما اسما الحرفين دون زيادة أو نقص , لأنهما من الأحرف ذوات الهجاء الثنائي* , وطاهي : على قراءة فتح الطاء وكسر الهاء , وطِيْ هِي على كسرهما , وكلها لن تغير في الجملة شيء .
أما على القراءة التي نسبَ المؤلفُ القولَ فيها للزجاج :طَهْ – على حالها أو طَاهْ - فسوف يكون الضمير فيها عائداً على مذكر , وهو عائد على الأرض أيضا باعتبارها بساط , كما في قوله – تعالى - : وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) من سورة نوح . هذا والله تعالى أعلم .
وعلى ما تقدم فقد تضمنت هذه الآية -في هذا الإعْجَاز المُوجَز والإيْـجَاز المُـعْجـِز – من أساليب اللغة وفنونها :
1- براعة الاستهلال , وما تضمنه من الاستفزاز للقوم في سياق التحدي , وما تضمنه – في الوقت نفسه - من العناية بنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم – , والإشعار بمعية ربه له حين يأتيه الخطاب مباشرة ودون تمهيد أو مقدمة : طه (1) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (2) , وأنه لا يخفى عليه شيء من دقائق خطراته وحركاته .
وما تضمنته آيات السورة ومقاطعها من تمحور حول هذا المعنى الاستهلالي الموجز , بل في إطاره , وعلى إيقاعه , بشتى صوره وحالته , من وطئ الأرض حافيا ومنتعلا , مشيا و سعيا ؛ حسيا ومعنويا , حقيقة ومجازا , واقعا وخيالا , ذهابا وإتيانا , إفرادا وتثنية وجمعاً ,أفرادا ومثاني وجماعات , تذكيرا وتأنيثا, ضلالا وهدى , تابعا ومتبوعا , طاعة وعصيانا , ولكل ما يدب على هذه الأرض من البشر والحيوانات وحتى الملائكة ( فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي )في السل المهد , والجبل الوعر , في البر و في النهر وحتى في قاع البحر ( فاسلك لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ) , مرتبطا بالحالة النفسية من الطَّمْأَنَةِ ونَفْي الخوف .( خذها ولا تخف ), ( لا تخافا )( لا تخف إنك أنت الأعلى)( لا تخافُ دركا ولا تخشى) .
كما أن هذا الاستهلال معجز في جمعه بين صنعتي التركيب والنحت .
2فالتركيب : كما أسلفت من أسماء الحروف بدلالة الرسم وقراءة السكت .
هذا والله - تعالى - أعلم .
(2) الطبري تفسير سورة طه .