الجمعة، 13 نوفمبر 2009

سورة ص

(سورة ص)

مكية عدد آياتها ( 88 )

ترتيبها بين سور القرآن الكريم 38

ص : من حروف المباني , اسمه: صاد , حرف قوي أسَلِـيٌ , نسبة إلى أسَلَةِ اللسان : وهي من المخارج العامة . أما مخرجه فهو: طرف اللسان مع ما بين الثنايا العليا والسفلى قريبا إلى أطراف الثنايا السفلى - ويشترك معه في هذا المخرج السين والزاي - . وأما صفاته , فهي: الهمس , الرخاوة , الإستعلاء , الإطباق ' الإصمات ' الصفير . وغلبة صفاته القوية هي التي جعلته حرفا قويا .
كما أن الاسم صاد يشترك في الدلالة على الحرف والدلالة أيضا على معنى الصيد على قراءة النصب : صادَ, أما على قراءة السكت فقد تلتبس بمعنى آخر وهو الصدُّ من اسم الفاعل صادّ . فهذه أصلها صادِدْ . والفرق في النطق بينهما : أنك عندما تنطق (صادْ) تقرع الدال قرعا بمجرد -ملامسة طرف اللسان لمخرج الحرف -. وهو ما يعرف بالقلقة . أما صادّ فَـتُشْبِعُ الدَّالَ ثم تَـظْهَرُ معك القلقلة بعد ذلك .
والكلمتان : ( صاد , وصادّ ) تشتركان في معنى واحد وهو المنع . فالصاد ممتنع من الحق معرض عنه والصائد مانع للمصيد من النجاة أو من الهرب . بل أغلب الكلمات التي يدخل في بنائها حرف الصاد تحمل هذا معنى , وكأن هذا المعنى لازم للحرف . وسوف نسرد بعض الأمثلة – ان شاء الله – ولكن بعد أن نقرأ ما قاله الفراهيدي .
[قيل: يقال صادٍ وصادية، وقال ذو الرُمّة: صَواديَ الهامِ والأَحشاءُ خافقةٌ والصَّداةُ فِعلُ المُتَصدِّي، وهو الذي يرفع رأسَه وصدره، يقال: جَعَلَ فلان يَتَصدَّى للمَلِك لينظر اليه، قال: لها كلَّما صاحَت صَداةٌ ورَكدَةٌ يصف الهامةَ.
والتَّصديَةُ: ضربُك يداً على يَدٍ لتسمع بذلك انساناً، يقال: صَدَّى تَصدِيةً، وهو من قوله: مُكاءً وتَصديةً وهو التصفيق.
والصَّوادي من النخيل: الطِّوال.
ويقال للرجل المُنتَصِب لأمرٍ يفكِّرُ فيه ويدبِّره: هو يُصاديه
والصَّـيَدُ مصدر الأَصَيد، وله معنيان، يقال: مَلِكٌ أصيَدُ: لا يلتفت الى الناس يميناً ولا شِمالاً. والأصيَدُ أيضاً: من لا يستطيع الالتفات الى الناس يميناً وشِمالاً من داءٍ ونحوه، والفعلُ صَيِدَ يَصْيَدُ صَيَداً.
وأهل الحجاز يُثبتون الياءَ والواوَ في نحو صَيِدَ وعَوِرَ، وغيرُهم يقول: صادَ يَصادُ وعارَ يعارُ كما قال: أعارَتْ عَينُه أم لم تَعارا ودَواءُ الصَّيَد ان يُكْوَى مَوضع من العنق فيذهب الصَّيَد.
قد كنت عن اعِراض قومي مِذوَدا أَشفي المجانينُ وأكوي الأصيَدا والصاد: حرف يُصَغَّر صُوَيدة.
والصاد: ضرْيً من النُّحاس، والصّاد: الكبير، قال: يَضربْنَه بحَوافِرٍ كالصّادِ أي كالجَنْدل.
والمَصادُ: الجَبَل نفسُه، يجمعه العرب على مُصْدان مثل مُسْلان جمعُ مَسيل.
وصد: الوَصيدُ: فِناء البيت، والوَصيد الباب.
أصد:الإصْدُ والإِصاد والوِصاد اسمٌ والإيصاد المصدر.
والإصادُ والإصْدُ هما بمنزلة المُطْبق، يقال أطبَقَ عليهم الإصادُ والوٍصاد والإصد.
وأصَدْتُ عليهم وأوصدته، والهمز أعرف.
ونارٌ مُؤصَدة أي مُطبَقةٌ. ] من كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي
أما الأمثلة فكثيرة , وإليك ما تيسر :


1 – الصبر : حبس النفس ومنعها من الجزع والتسخط . وقد وردت في الآية السادسة ( أن امشوا واصبروا على آلهتكم ). وقال – تعالى - : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) الكهف امنعها من الانشغال بالدنيا
2 – الصمود : وهو منع العدو أو منع النفس من الهرب أمام العدو . والصمد : الممتنع عن الوالد والولد والكفء . وقيل الذي يصمد اليه في الحوائج , وقيل السيد الذي بلغ الغية في سؤدده
3 – الصيْدُ : منع المصيد من الهرب أو من النجاة والصائد مانع . وكذلك القنص .
4- صه , والصمت والإنصات .
5- أوصد الباب : أمنعه وشدد إغلاقه .
6 - وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) الصافات ممتنعات من النظر إلى غير ازواجهن .
7 - (فتركه صَلْدًا) أي أملس ليس عليه شيء من الغبار أصلاً . أي ممتنع الفائدة وتتمة الآية (لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا) والأمثلة كثيرة جدا والخلاصة :



أن لدينا معنى عاما ظاهرا في الكلمة صادَ :المعرض بوجهه وهو صدٌّ لمن فعله بإرادته .وبين صادَ وصادَّ فرق في المعنى , فصادَ : من فَعَلَ فيكون فعل الصد من طرف واحد , أما صادَّ فهي من فَاعَلَ . من المفاعلة وتكون من طرفين .

ولدينا معنى خاصا في الحرف ذاته ملازما له , وهو المنع . تجده في الكلمات التي دخل في تركيبها حرف الصاد ,مباشرا – ذلك المعنى - أو غير مباشر .

وكلاهما موجود إلا أن المنع أكثر ظهورا في طابع السورة من تكرار الكلمات الصريحة من ذوات الصاد . كما أنه صرح به في قوله تعالى : قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) وهي القضية الكبرى في تأريخ البشرية , وما بعدها فتبعٌ لها .

كما أن هذا الحرف جاء أيضا في سورة الأعراف ( المص (1) وجاء التصريح بمعناه وفي نفس القصة وهي معصية إبليس اللعين لربه بالامتناع عن السجود لآدم – عليه السلام -. في قوله - تعالى - : قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) من نفس السورة وكما تلاحظ بالتصريح أيضا في صيغة السؤال الإنكاري. إذ أن ذلك هو الامتناع الأول عن طاعة الله . في تأريخ آدم وذريته الذين هم طرف في ذلك الصراع . فالمانع الذي منعه هو الكبر . وهو نفس المانع الذي منع الذين كفروا (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2) فالعزة المنعة والرفعة . والكبر بطر الحق وغمط الناس ( أي رد الحق واحتقار الناس ) والشقاق من الشق جعلوا أنفسهم في شِق مقابل لله ورسوله ( ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب)
4 سورة الحشر

وجاءت صيغة القسم بعده (وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1) ) فنلاحظ أن صيغة القسم في هذه السورة يختلف عنه في يس وق فوصف القرآن هنالك مباشر أما هنا فعندما استهل بـ ( ص) ذي المنع ثنى مقسما بـ (الْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ) فصرح بالقرآن مكنى بالذكر ؛ والذكر مانع وحصن حصين من عدونا الذي لا نراه . وقد تكررت كلمة الذكر في السورة كما سنلاحظ - إن شاء الله- .

ولذلك يمتنع الحكم على هذا الأسلوب . أهو حقيقة أم مجازا . أهي استعارة اسمية أم فعلية .أتصريحية هي أم مكنية . أمشترك لفظي أم مجْمع لفظي . فسبحان الله تقدس في علاه .
اللهم اغفر وارحم وتكرم وتجاوز عما تعلم إنك تعلم مالا نعلم إنك أنت الله الأعز الأكرم .
وصلى الله وسلم على من أوني جوامع الكلم وآله والحمد لله على نعمه وآلائه . 17/3/1430
هـ

هناك تعليق واحد: