الجمعة، 13 نوفمبر 2009

سورة طه


أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ), له الحمد وله الثناء الحسن , نستعينه , ونستهديه , ونستغفره , ونتوب إليه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له .وصلى الله وسلم وبراك على المبعوث بالهدى رحمة للعالمين ,وآله الطيبين الطاهرين .

( سورة طه )
مكية وعدد آياتها 135 .

ولا جديد لدي هنا سوى التأكيد على المعنى المأثور الذي ذكره بعض المفسرين . وهو( طأ الأرض بقدميك يا محمد ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) مستندا في ذلك على :

1.سرد بعض تلك الروايات التي تؤكد المعنى .
2. تحليل الآية ( طه "1") لغويا بما يتوافق مع مدلولها الصوتي على اختلاف قراءاتها.
3.ذكر الأساليب والفنون اللغوية التي تضمنتها الآية .


الروايات التي تؤكد المعنى .

1-أخرج ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان ، عن ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما أنزل عليه الوحي ، كان يقوم على صدور قدميه إذا صلى ، فأنزل الله :
{ طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .2-وأخرج ابن مردويه وابن جرير ، عن ابن عباس قال : قالوا لقد شقي هذا الرجل بربه ، فأنزل الله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .


3-وأخرج ابن عساكر ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا قام من الليل يربط نفسه بحبل؛ كي لا ينام فأنزل الله عليه { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .

4-وأخرج عبد بن حميد ، عن مجاهد قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يربط نفسه ، ويضع إحدى رجليه على الأخرى ، فنزلت : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .

5-وأخرج ابن مردويه ، عن علي رضي الله عنه قال : لما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - { يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً } [ المزمل : 1 ] قام الليل كله حتى تورمت قدماه ، فجعل يرفع رجلاً ، ويضع رجلاً ، فهبط عليه جبريل ، فقال : { طه } يعني : الأرض بقدميك يا محمد { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } وأنزل { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } .

6-وأخرج البزار بسند حسن ، عن علي قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يراوح بين قدميه ، يقوم على كل رجل ، حتى نزلت { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .

7-وأخرج ابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : { طه } قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربما قرأ القرآن إذا صلى ، قام على رجل واحدة ، فأنزل الله { طه } برجليك { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .

8-وأخرج ابن أبي حاتم (المتوفى 327 هـ )، عن الضحاك قال : لما أنزل الله القرآن على النبي - صلى الله عليه وسلم - قام به وأصحابه ، فقال له كفار قريش : ما أنزل الله هذا القرآن على محمد إلا ليشقى به . فأنزل الله { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } .كلها من الدر المنثور في التأويل بالمأثور لمؤلفه : عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى : 911هـ)


9-وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن الربيع بن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا صلى قام على رجل ورفع الأخرى ، فأنزل الله { طه } يعني طأ الأرض يا محمد ، { ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى } ورد في معالم التنزيل للبغوي [ المتوفى 516 هـ ] والقرطبي (600 - 671هـ ) و تفسير القرآن العظيم [ ابن كثير 700 -774 هـ ] و الثعالبي( 786 - 876هـ) والدر المنثور للسيوطي ( 849 - 911 هـ)والشوكاني( 1173هـ ـ 1250هـ) وفي مختصر الشمائل المحمدية للشنقيطي 1325 - 1393هـ


القراءات

قرأ أبو عمرو بفتح الطاء وكسر الهاء ، وكسرهما [ بالإمالة في بعض التفاسير ] جميعاً حمزة والكسائي وأبو بكر والباقون بفتحهما . قال الزجاج : وتقرأ « طَهْ » بفتح الطاء وسكون الهاء ، وكلها لغات . قال الزجاج : من فتح الطاء والهاء ، فأن ما قبل الألف مفتوح . ومن كسر الطاء والهاء أمال إلى الكسر ، لأن الحرف مقصور ، والمقصور يغلب عليه الإمالة إلى الكسر .
تفسير اللباب في علوم الكتاب .المؤلف : أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني (المتوفى : 775هـ
إذاً

طه (1) جملة إنشائية , مركبة من اسمي الحرفين الطاءِ و الهاءِ , تضمنت : فعلاً , وفاعلاً , ومفعولاً . بمعنى: طَأهَا - بهمزٍ ساكنٍ- , أو طاها - بتسهيل الهمزة - وهما لغتان , فالفعل طا والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت ,أي : محمد - صلى الله عليه وآله وسلم – والْهاءُ ضمير المفعول به عائد على الأرض . والمألوف في كتابتها طاها على فتحهما , وهما اسما الحرفين دون زيادة أو نقص , لأنهما من الأحرف ذوات الهجاء الثنائي* , وطاهي : على قراءة فتح الطاء وكسر الهاء , وطِيْ هِي على كسرهما , وكلها لن تغير في الجملة شيء .

أما على القراءة التي نسبَ المؤلفُ القولَ فيها للزجاج :طَهْ – على حالها أو طَاهْ - فسوف يكون الضمير فيها عائداً على مذكر , وهو عائد على الأرض أيضا باعتبارها بساط , كما في قوله – تعالى - : وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) من سورة نوح . هذا والله تعالى أعلم .

وعلى ما تقدم فقد تضمنت هذه الآية -في هذا الإعْجَاز المُوجَز والإيْـجَاز المُـعْجـِز – من أساليب اللغة وفنونها :

1- براعة الاستهلال , وما تضمنه من الاستفزاز للقوم في سياق التحدي , وما تضمنه – في الوقت نفسه - من العناية بنبيه - صلى الله عليه وآله وسلم – , والإشعار بمعية ربه له حين يأتيه الخطاب مباشرة ودون تمهيد أو مقدمة : طه (1) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (2) , وأنه لا يخفى عليه شيء من دقائق خطراته وحركاته .
وما تضمنته آيات السورة ومقاطعها من تمحور حول هذا المعنى الاستهلالي الموجز , بل في إطاره , وعلى إيقاعه , بشتى صوره وحالته , من وطئ الأرض حافيا ومنتعلا , مشيا و سعيا ؛ حسيا ومعنويا , حقيقة ومجازا , واقعا وخيالا , ذهابا وإتيانا , إفرادا وتثنية وجمعاً ,أفرادا ومثاني وجماعات , تذكيرا وتأنيثا, ضلالا وهدى , تابعا ومتبوعا , طاعة وعصيانا , ولكل ما يدب على هذه الأرض من البشر والحيوانات وحتى الملائكة ( فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي )في السل المهد , والجبل الوعر , في البر و في النهر وحتى في قاع البحر ( فاسلك لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ) , مرتبطا بالحالة النفسية من الطَّمْأَنَةِ ونَفْي الخوف .( خذها ولا تخف ), ( لا تخافا )( لا تخف إنك أنت الأعلى)( لا تخافُ دركا ولا تخشى) .

كما أن هذا الاستهلال معجز في جمعه بين صنعتي التركيب والنحت .

2فالتركيب : كما أسلفت من أسماء الحروف بدلالة الرسم وقراءة السكت .
3والنحت :من تلك اللغات كلمة واحدة , تجمعها كلها في حرفين فقط , وبلسان الكل ( طه ) ,والتي لم تكن في قاموسهم من قبل . فالعرب تنحت من الكلمتين والثلاث كلمة واحدة تؤدي معناها . مثل : رجلٌ عَـبْـشَـمِيٌّ . أي : ( من بني عبد شمس )وهو من الاختصار1 .فـ ( طاها , وطاهي , وطِهي , وطَهْ ) اختصرها في طه .
فتأمل كيف ألجمهم بما يعرفون معناه بمجرد سماعه ؛ حتى إذا ما أتاهم بمثله فيما بعد ولم يقفوا له على معنى , لم يجرؤ أحد على الاعتراض عليه أو السؤال عن معناه .(1)

وقد أورد ابن جرير الطبري في تفسيره -وفي سورة طه تحديدا ما يشير إلى هذا - ما نصه :[ وذكر محمد بن إسحاق، عن الزهري، في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، هو وأبو سفيان صَخْر بنِ حَرْب، والأخْنَس بن شِريْق، ولا يشعر واحدٌ منهم بالآخر. فاستمعوها إلى الصباح، فلما هَجَم الصبح تَفرَّقوا، فجمعتهم الطريق، فقال كل منهم للآخر: ما جاء بك؟ فذكر له ما جاء له , ثم تعاهدوا ألا يعودوا، لما يخافون من علم شباب قريش بهم، لئلا يفتتنوا بمجيئهم فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظَنًا أن صاحبيه لا يجيئان، لما تقدم من العهود، فلما أصبحوا , جمعتهم الطريق، فتلاوموا، ثم تعاهدوا ألا يعودوا. فلما كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضا، فلما أصبحوا تعاهدوا ألا يعودوا لمثلها , ثم تفرقوا . فلما أصبح الأخنس بن شَرِيق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حَنْظَلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعتُ أشياء أعرفها وأعرف ما يُراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها. قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به.ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل، فدخل عليه في بيته فقال: يا أبا الحكم، ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا،وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تَجاثينا على الرُّكَب، وكنا كَفَرَسي رِهَان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء! فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه ](2)
فهل تُراهم كانوا يتساءلون عن غير هذه الأحرف التي كان يبتدرهم بها في مطالع هذه السور ؟!.

هذا والله - تعالى - أعلم .

================== ============
(1) فإن كان هنالك شيء من الصرفة فلا تعدو هذه .
(2) الطبري تفسير سورة طه .

هناك تعليق واحد: